كُتب هذا التعليق إبان زيارة سادغورو لعمان 20 مايو 2020 – تغيّر رأيي فيما يخص سادغورو منذ ذلك الحين
حينما بدأت بمتابعة محتوى سادغورو قبل عام ونيّف من هذه اللحظة، لم يخطر ببالي يومها أنني سأتناولهُ موضوعًا أتحدث به لأناس لا أعرفهم، لم أتصور أنني أيضًا سأضطر لتصفية تشويهٍ ممنهج للمحتوى الذي يقدمه لأغراض أبعد ما تكون عن الصالح العام، ناهيك عن تخيّل أنني سأكتب ما أكتب في محاولة دفع شبهات تحيط بهِ لكيلا يُمنع من دخول السلطنة. لطالما سمعتُ وقرأت الأثر القائل بأن الإنسان عدو ما يجهل، لكنني أجد نفسي اليوم ولأول مرة أفهم معنى الأثر، بل وأراهُ متجليًا أمام عيني في المجتمع الإلكتروني العماني. أيضًا أعرف التهم التي ستطالني نتيجة لكتابة ما سأكتب، علمًا بأنني لا أسعى مما سأقوله إلى تلطيف صورة الرجل أو تحسينها، إنما أحاول أن أوّضح ما ألتبس بسبب التشويه الممنهج الحاصل والناتج إمّا عن فوقيّة دينية أو جهالةٍ مغرورة.
لا أرى سادغورو رجلًا مقدسًا ولا أظنّه كذلك، كل ما هو عليه أن رجلٌ صاحب مبدأ معيّن يصيب ويخطئ، لكنه رجلٌ صادق ومتسق مع مبدأه. في هذه المادة سأناقش عدة أمور طرحت في فائت الأيام حول سادغورو وسأضيف في النهاية رأيي حول سادغورو وربما جانب من تجربتي مع المحتوى الذي يقدمه.
طرح حمود النوفلي في بداية الحملة الرافضة لقدوم سادغورو لعمان مسألة أنّه -أي سادغورو- رجلٌ هندوسي ملحد وهذه في حد ذاتها نكتة أترفّع حتى عن الرد عليها إنما أضعها هنا لأشير إلى كمّ التضليل والمعلومات الخاطئة التي تنشر حول الرجل. دائمًا ما كان سادغورو يؤكد على لادينيّتهِ بقوله المتكرر: “لم أركع في حياتي لإله (هندوسي أو سواه)، أو لشخصٍ أو لشيء” إنما أنه ومن خلال ذلك لا ينكرُ وجود الخالق الذي يشير لهُ الرجل في كلّ حديث له، بل يدعو مستمعيه دائمًا إلى البحث عن الخالق في ذواتهم لأنها أكبر تجلٍّ للصانع الأعظم. فهو إذًا كما أرى لادينيٌّ ربوبيٌ [موّحد] أنما هذه الحقيقة ليست من الأهمية بمكان في الجدال الحاصل اليوم، المهم هو: هل يدعو الرجل لديانة بعينها أو للكفر بأخرى؟ لم أجد ذلك في حديثه، فهو يعظّم كل الديانات والشعائر كما يظهر في مقاطعهِ. إنما ما يقف الرجل ضده هي مسألةُ المآلات النهائية لهذه الديانات ويشير دائمًا إلى كون هذا التفرق والتعصب والتشدد هي نتاجٌ للفهم البشري الذي يصنع مسلّماتٍ مُنفّرة ومُشَظِّيَة وهو بذلك لا يقول إفكًا أو جديدًا حيث عمد الكثير من أعلام التصوف من كل الديانات إلى قول ما قال.
هل لسادغورو نزعة أممية؟ نعم، وهو يصرّح بذلك أحيانًا ويخفيه في أحايين أخرى، لكنّه دائمًا ما يتحدث عن ذلك منطلقًا من التجربة لا من علوّ الإنسان الهندي أو فوقيته. فبحسب الدراسات؛ الديانات الهندية هي الأسبق وجودًا بين كل الديانات المتبقية إلى يومنا. فإذن حينما يقول بأن الإنسان الهندي هو الأخبر بمسألة الدين فأنه هنا لا يقول بأن الأنسان هو الإنسان الأسمى والأقرب للخالق إنما يشير إلى قدِم التجربة الدينية الهندية وما يترتب على ذلك من تنوع وإنجاز ومعرفة.
أما عن مسألة كون سادغورو رجل أعمال، مخادع، متنفع، يعمل على غسيل أدمغة المؤمنين بطرحهِ فهذه ليست إلا نتيجة لجهلٍ بعمل سادغورو الحقيقي والنظر له من منظور التجارب المشابهة لتجربته، مثل تجربة القديس جونز أو مواطنه الهندي أوشو (مع تحفظي على تجربة أوشو التي شوهها الإعلام الغربي). القديس جونز وأوشو تم كشف آلياتهم في استغلال الأتباع فكان نتيجة ذلك أن كل صاحب دعوةٍ دينية مختلفة صار يُنظر له على أنه امتداد لتلك التجارب. المختلف عند سادغورو أنّه وبحسب المصادر كان رجل أعمال ناجح قبل تأسيسه لمنظمة إيشا الغير ربحية. إذ أنه أوقف انخراطه في العمل التجاري ليؤسس المنظمة الخيرية إيشا. منظمة إيشا قامت وتقوم بالكثير من الأعمال والمبادرات لخدمة الإنسان وبيئته، يتجلى ذلك من خلال الفرص التعليمية المجانية والبعثات التي توفرها المنظمة كما تعمل أيضًا على تقديم بعض الخدمات الطبية أما عن مبادرات المنظمة في حماية البيئة في الهند والعالم فهي كثير ويمكن للباحث أن يجدها بسهولة منها مبادرات لحماية الأنهار ودعم المزارعين ناهيك عن المبادرات التوعوية في الجانب البيئي. مثالًا على ذلك؛ حملة “أنقذوا التربة” التي تتبناها الأمم المتحدة والتي يسافر فيها سادغورو عابرًا الكثير من بقاع العالم بدرّاجته النارية. وهذه هي الحملة التي تترتب عليها زيارة سادغورو لمسقط الأسبوع المقبل. يأتي السؤال هنا، هل يحتاج رجلُ أعمال ناجح في عمر الـ 65 أن يقوم بمهمة كهذه من أجل المال؟ أو من أجل غسيل أدمغة المهتمين؟
وعن تهمة التطبيع، فبحسب تعريفنا للمطبع تقوم. بالنسبة لي المطبّع هو الشخص الذي يؤيد الأعمال الوحشية الصهيونية من سرقة الأرض حتى حصد الأرواح. هل يروقني ما قاله سادغورو عن إسرائيل؟ لا. هل يجعله ذلك مطبعًا؟ أيضًا لا. لكنني أتفهم، بل وأحترم كل من يعتبر ذلك تطبيعًا ويرفض قدوم سادغورو بسبب ذلك. لأنه رفضٌ منطقي غير قائم على مسألة تمييز ديني وغير متدخلٍ في مسألة العقيدة وغير نابعٍ من هشاشة فكرية. لكن وجب التنبيه على أن هؤلاء الرافضين لزيارته لكونه مطبعًا أن يضموا لقائمة التطبيع الكثير من الأسماء ليس أولها ولا آخرها الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، وشخصيات أخرى بارزة من سياسيين، ورياضيين، وفنّانين، وغيرهم. كما عليهم أن يتخذوا موقفًا صارمًا من الحرب الروسية وأن يشطبوا من خرائطهم إما روسيا أو أوكرانيا.
وجب هنا توضيح وتلخيص فكر سادغورو. سألني صديق اليوم حول مدار فكر وفلسفة سادغورو فلم أجد أبلغ من بيت الإمام علي لألخص ما يحاول سادغورو أن يقوله: “وَتَحْسَبُ أنَّكَ جرم صَغِيرٌ** وفيك انطوى العالمُ الأكبر”. بعد تجربة تقارب العام والنصف مع محتوى سادغورو يمكنني أن أجزم أن ما تنطلق منه كل خطابات سادغورو هو الأمر الذي انطلق منه كل المتصوفة عبر التاريخ، الذاتُ بوصفها تجلٍّ للخالق. أما نتائج ذلك عليّ فقد كانت كثيرة أهمها التصالح مع هذا الوجود أو على الأقل المعرفة اليقينية بجدوى ذلك، المعرفة وليس الإيمان. يمكنني أن أقول بكلّ صراحة اليوم أن تجربتي مع محتوى سادغورو إنما قربتني من الله عز وجلّ بشكلٍ لم أعهده في نفسي من قبل.
إن أبرز ما أتضح لي في خلال هذه الحملة الإلكترونية العمانية ضد زيارة الرجل هو انعدام ثقة الكثير بمتانة الهويّة الإسلامية للعمانيين وكأن سادغورو يملك عصًا سحرية سيقوم من خلالها بتغيير أو تهشيم إيمان كل الحضور الذي حتمًا ستكون غالبيته من المقيمين الهنود. كذلك بدا واضحًا أن عددًا كبيرًا من الناس مستعد لتصديق أي شيء يقال عن أي أحدٍ عبر تغريدة أو اثنتين. جزء آخر من الناس سيقوم ببحث مبسط منحاز ليرتاح في اتخاذ موقف مضاد. أيضًا يبدو لي من غير المنصف أن يقوم أشخاصٌ كل معرفتهم بسادغورو قائمة على مقاطع قصيرة منتشرة أو حتى تجربة ضحلة مع محتواه لمدة لا تزيد عن اليومين بالظهور في المنصات العامة للحديث باسم الشعب أو حتى بالأصالة عن أنفسهم مشوهين كل الطرح الذي بدأ الرجل بطرحه منذ ما يقرب الثلاثين عام.
ختامًا أريد أن أقول إنه يجب علينا أن نتعلم العبور عبر الأشياء لا الاصطدام بها، علينا الالتقاء لا الهرب أو الصدّ. علينا أن نعرف أن كلّ ما يمكن أن يكون سيكون بأمر الله. لن يفعل كائنٌ ما على هذه الأرض إلا ما أراد الله له أن يفعل. فلنهدأ.